سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر 2024 أطلق ظهور نظام أمني جديد في سوريا، حيث قلصت الولايات المتحدة وجودها العسكري في البلاد، واعتمدت على إشراف مرن في الشرق يتركز على احتجاز سجناء تنظيم الدولة الإسلامية، وتأمين طرق الإمداد، وحماية المواقع الحساسة.

 

وفق مؤسسة كارينجي، نجاح انسحاب الولايات المتحدة يعتمد على موازنة هذه الأولويات مع خطوط تركيا وإسرائيل الحمراء، إذ قد يؤدي الفشل على أي جبهة إلى إعادة فتح مساحات للنزاع وإمكانية عودة نشاط تنظيم الدولة.

 

في شمال وشرق سوريا تتوزع ثلاث محاور قوة: الحكومة السورية الجديدة، وهياكل مدعومة من تركيا، وقوات سوريا الديمقراطية ذات الأغلبية الكردية. يسعى هؤلاء لتقليل الاحتكاك عبر اتفاقات حول إدارة مراكز الاحتجاز، وضمان حرية الحركة على الطرق الرئيسية، وحماية المواقع الحساسة.

 

دور الولايات المتحدة تحول من مراقب ثابت إلى وسيط سياسي يحافظ على التوازن بين الأطراف، مع التركيز على قاعدة التنف كنقطة استراتيجية للتحكم الإقليمي ومنع توسع النفوذ الإيراني، بينما يبقى أي فهم بين تركيا وإسرائيل ضرورياً لظهور إطار وطني سوري يمكن أن يقلل من مخاطر الصراع وعودة تنظيم الدولة.

 

الولايات المتحدة كنقطة توازن أمني

 

الوجود الأمريكي في التنف يشكل محوراً للتحكم الإقليمي، حيث يراقب النشاط الإيراني ويمثل خط دفاع ضد تمدد الجماعات المسلحة ويعزز قدرات الاستجابة السريعة. الولايات المتحدة تدير التفاعل بين الأطراف شرق سوريا عبر مراقبة، وتجنب الاحتكاك، والتوسط، مع الحفاظ على أولوياتها: احتجاز عناصر تنظيم الدولة، وضمان سلامة الطرق، وحماية البنية التحتية الحساسة.

 

الولايات المتحدة تعاملت مع شرق سوريا كمساحة مكافحة إرهاب، بينما ركزت على منع إعادة ظهور تنظيم الدولة ومراقبة جماعات أخرى مثل حزب تركستان الإسلامي المرتبط بالنظام السوري. وقد أنشأت قيادة مشتركة لإعادة المعتقلين لتسهيل عودة قانونية لمنشآت مثل معسكرات الهول وروج، والحفاظ على الرقابة على التهديدات المتبقية من التنظيم.

 

الضغوط التركية والإسرائيلية

 

تركيا تسعى لتفكيك البنية العسكرية لقوات سوريا الديمقراطية ودمجها ضمن هيكل الدولة الأمني، بينما تحافظ إسرائيل على سقف أمني في الجنوب وحماية الطائفة الدرزية. هذه الضغوط الخارجية تشكل حدود نفوذ كل طرف وتحدد طبيعة النظام الأمني الناشئ، حيث يظل شرق سوريا مسرحاً لتفاهمات مؤقتة أكثر من مؤسسات وطنية، مع بقاء خطر عودة تنظيم الدولة قائماً.

 

التحديات المحلية والإقليمية

 

السلطات السورية الناشئة، رغم ظهور الرئيس أحمد الشرع كواجهة للسلطة، تواجه ضعف مؤسساتي، ما يسمح لدخول عناصر سابقة من التنظيمات المتطرفة عبر شبكات قبلية، وزيادة التوترات الطائفية. النزاعات بين العرب والأكراد في شرق سوريا، والاحتكاكات بين قوات الحكومة والأقليات مثل الدروز، تعكس هشاشة التوافق المحلي. وقد أعادت التوترات بين القبائل العربية في دير الزور والرقة وإحياء الدور الأمني للتركمان والأحزاب التركية-السورية تعزيز المنافسة مع الأكراد، ما يزيد احتمالية العنف المجتمعي الممتد.

 

النجاح في شرق سوريا يعتمد على القدرة الأمريكية على الحفاظ على توازن هذه القوى الثلاثة، وتحقيق تعاون محدود بين الحكومة السورية الجديدة وقوات سوريا الديمقراطية، وضمان سيطرة تركيا وإسرائيل على مناطق نفوذها، إلى جانب إدارة فعالة للمعتقلين وتأمين الطرق والمواقع الحساسة. عدم وجود توافق بين تركيا وإسرائيل يعرقل بناء إطار وطني سوري متكامل ويجعل الشرق مؤشراً على الانقسامات والصراعات الوطنية، مع بقاء احتمالية ظهور نشاط جديد لتنظيم الدولة قائمة.

 

يرى هذا التحليل أن الترتيب الأمني الناشئ في شرق سوريا يعتمد على إدارة دقيقة للقوى المحلية والإقليمية، والحفاظ على التوازن في الدور الأمريكي عبر قاعدة التنف، وتجنب إعادة إشعال النزاعات الطائفية أو السماح بعودة خلايا تنظيم الدولة، في بيئة سياسية وهشة لم تتعافى بعد من انهيار النظام السابق.

 

https://carnegieendowment.org/research/2025/12/the-united-states-and-the-emerging-security-order-in-eastern-syria?lang=en